التعافي الاقتصادي في سوريا: الحاجة إلى خطة مارشال جديدة

تتناول المقالة أهمية تبني خطة مارشال جديدة لدعم التعافي الاقتصادي في سوريا بعد سنوات من الصراع والانهيار الاقتصادي

اقتصاد

د. حسن غرة

1/5/2025

التعافي الاقتصادي في سوريا: الحاجة إلى خطة مارشال جديدة
التعافي الاقتصادي في سوريا: الحاجة إلى خطة مارشال جديدة

مع سقوط النظام البائد وتشكيل حكومة تصريف أعمال، باتت الفرصة مهيأة أمام سوريا لبدء عملية التعافي الاقتصادي. إلا أن حجم الدمار والانهيار الاقتصادي الذي عانت منه البلاد يتطلب مقاربة شاملة وممولة بشكل جيد، مشابهة لخطة مارشال التي ساعدت في إعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

الوضع الاقتصادي الراهن في سوريا

تعاني سوريا من اقتصاد مدمر نتيجة سنوات من الصراع وسوء الإدارة. فقد تراجع الناتج المحلي الإجمالي من 60 مليار دولار قبل الحرب إلى حوالي 39.5 مليار دولار في عام 2023. كما انخفضت قيمة الليرة السورية 270 مرة مقابل الدولار الأمريكي بين عامي 2011 و2023، ما أدى إلى تضخم وصل إلى 141% في عام 2023. بالإضافة إلى ذلك، ارتفع معدل البطالة إلى حوالي 57%.

الحاجة إلى خطة مارشال لسوريا

نظرًا لحجم الانهيار الاقتصادي، فإن سوريا بحاجة إلى برنامج مساعدات اقتصادية واسع النطاق على غرار خطة مارشال. فقد قدمت خطة مارشال الأصلية التي أُطلقت عام 1948 حوالي 13.3 مليار دولار (ما يعادل 150 مليار دولار اليوم) لدعم اقتصادات أوروبا بعد الحرب.

مكونات أساسية لخطة مارشال سورية

1. مساعدات مالية كبيرة: تحتاج سوريا إلى مساعدات مالية ضخمة لإعادة تشغيل اقتصادها. يقدر حجم هذه المساعدات بعشرات المليارات من الدولارات حسب تقييم الاحتياجات.

2. إعادة بناء البنية التحتية: تعاني أكثر من نصف البنية التحتية الأساسية في سوريا من الدمار. لذلك، فإن إعادة بناء الطرق، وشبكات الكهرباء، والاتصالات أمر ضروري لإحياء النشاط الاقتصادي وخلق فرص العمل.

3. إعادة تنشيط القطاعات الصناعية: يجب التركيز على إعادة بناء القطاعات الحيوية مثل الصناعات النسيجية، والزراعة، والصناعات الغذائية التي كانت مزدهرة في السابق.

4. تطوير قطاع الطاقة: يمكن لاحتياطيات النفط والغاز الطبيعي في سوريا أن تلعب دورًا محوريًا في التعافي الاقتصادي، لكن القطاع يحتاج إلى استثمارات كبيرة لإعادة تشغيله.

5. تيسير التجارة: نظرًا للموقع الاستراتيجي لسوريا، يجب أن تتضمن الخطة تدابير لإعادة سوريا كحلقة وصل أساسية في شبكات التجارة بين الشرق والغرب.

6. المساعدات الإنسانية: لا بد من معالجة الاحتياجات الإنسانية الملحة، بما في ذلك توفير الغذاء، والتعليم، والرعاية الصحية خلال عملية إعادة الإعمار.

7. استقرار العملة: هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية لتثبيت العملة الوطنية والسيطرة على التضخم.

تحديات التنفيذ وحلولها

1. الاستقرار السياسي: يعتمد نجاح أي خطة للتعافي الاقتصادي على تحقيق الاستقرار السياسي. لذا، يجب على الحكومة الانتقالية التركيز على المصالحة الوطنية والحكم الشامل.

2. رفع العقوبات: يعد التفاوض على رفع العقوبات الدولية أمرًا حيويًا لتعافي الاقتصاد السوري. يمكن ربط هذا التخفيف بالإصلاحات السياسية وتحسين أوضاع حقوق الإنسان.

3. التعاون الدولي: كما هو الحال مع خطة مارشال الأصلية، ستحتاج خطة تعافي سوريا إلى دعم وتنسيق دوليين واسع النطاق.

4. مكافحة الفساد: يتطلب النجاح وضع إجراءات صارمة لمكافحة الفساد وضمان الشفافية في استخدام المساعدات.

5. التكامل الإقليمي: يمكن لتشجيع التكامل الاقتصادي الإقليمي، لا سيما مع دول الجوار مثل تركيا وقطر والسعودية، أن يسرع من وتيرة التعافي.

الخاتمة

رغم التحديات الجسيمة التي تواجه سوريا، فإن تنفيذ برنامج مساعدات اقتصادية مصمم بعناية وممول بسخاء، على غرار خطة مارشال، قد يوفر الأساس للتعافي الاقتصادي والاستقرار على المدى الطويل. لن يعود هذا بالنفع على سوريا فحسب، بل سيسهم أيضًا في تعزيز الاستقرار الإقليمي والأمن العالمي. ومع ذلك، فإن النجاح يتطلب التزامًا دوليًا مستمرًا، وحوكمة فعالة من السلطات السورية، وبيئة سياسية مستقرة تعزز النمو والتنمية.