التعافي الاقتصادي في سوريا: تحديات رفع العقوبات بعد رحيل النظام السابق

في هذا المقال، تعرف على خارطة الطريق التي يمكن أن تمهد لسوريا مستقبلًا أكثر ازدهارًا واستقرارًا

اقتصاد

د. حسن غرة

12/30/2024

التعافي الاقتصادي في سوريا: تحديات رفع العقوبات بعد رحيل النظام السابق
التعافي الاقتصادي في سوريا: تحديات رفع العقوبات بعد رحيل النظام السابق

شهدت سوريا تحولًا جذريًا بسقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، وتولي حكومة تصريف الأعمال بقيادة هيئة تحرير الشام زمام الأمور. وفي ظل هذه التغيرات، يبقى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد منذ عام 2011 واحدًا من أهم التحديات التي تواجهها الحكومة الجديدة لتحقيق الانتعاش الاقتصادي.

واقع العقوبات وتأثيرها على الاقتصاد السوري

فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى عقوبات اقتصادية قاسية على سوريا بهدف محاسبة النظام السابق على انتهاكات حقوق الإنسان. وقد أسهمت هذه العقوبات في:

- انخفاض التجارة الخارجية بنسبة كبيرة.

- انهيار الاستقرار المالي وتفاقم التضخم.

- نقص السيولة وصعوبة الحصول على الموارد الأساسية.

دعوات لرفع العقوبات

مع سقوط النظام السابق، دعت حكومة تصريف الأعمال إلى رفع العقوبات العامة، معتبرة أن أسباب فرضها قد زالت. لكنها شددت على ضرورة الإبقاء على العقوبات الفردية المفروضة على الشخصيات المرتبطة بالنظام السابق لضمان المساءلة.

تحديات رفع العقوبات

عملية رفع العقوبات معقدة وتتطلب التعامل مع عدة اعتبارات:

- الأثر الإنساني: أدت العقوبات إلى تفاقم أزمات الأمن الغذائي والرعاية الصحية.

- إعادة الدمج المالي: تواجه سوريا تحديات كبيرة في استعادة روابطها مع النظام المالي العالمي.

- الالتزامات السياسية: يجب على الحكومة الجديدة تحقيق خطوات ملموسة، مثل إجراء انتخابات حرة واحترام حقوق الإنسان.

- التوازن بين العقوبات الفردية والعامة: في حين أن العقوبات الفردية على النظام السابق ضرورية لضمان العدالة، قد تعيق العقوبات العامة جهود التعافي.

نهج مقترح لرفع العقوبات:

تواجه الحكومة السورية الجديدة تحديات كبيرة في التعامل مع العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد. وفيما يلي عدد من الخطوات الرئيسية التي يمكنها اتخاذها لتخفيف تأثير العقوبات والعمل على إزالتها:

1. الانخراط في الجهود الدبلوماسية: ينبغي للحكومة الجديدة أن تتعاون بنشاط مع المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، للتفاوض على رفع العقوبات. وقد يتضمن هذا إظهار الالتزام بالإصلاحات السياسية وحماية حقوق الإنسان والحكم الديمقراطي مع وضع جدول زمني مشترك يحدد معايير رفع العقوبات مع إمكانية إعادة فرضها إذا لم يتم الالتزام بالشروط.

2. تنفيذ تخفيف العقوبات على مراحل: تستطيع الحكومة أن تعمل مع الولايات المتحدة لتنفيذ نهج تدريجي لتخفيف العقوبات. وقد يبدأ هذا برفع العقوبات عن الأفراد الذين يظهرون استعدادهم للمشاركة في الانتقال السياسي، وخاصة بين القيادة الجديدة. أيضا، من الضروري رفع العقوبات عن المصرف المركزي وبعض المؤسسات المالية لتسهيل تقديم المساعدات الإنسانية. يأتي بعد ذلك تخفيف القيود على الصادرات إلى سوريا، بدءًا من السلع الإنسانية و رفع الحظر عن استيراد النفط السوري كخطوة أخيرة.

3. إصلاح المؤسسات المالية: الاستثمار في إعادة بناء البنية التحتية المالية السورية من خلال تعيين كفاءات تكنوقراط غير تابعين للمنظمات الخاضعة للعقوبات في مناصب رئيسية في وزارة المالية والبنك المركزي السوري. وهذا من شأنه أن يساعد في استعادة مصداقية النظام المالي.

4. معالجة المخاوف الإنسانية: ينبغي للحكومة أن تعطي الأولوية لمعالجة القضايا الإنسانية وتسهيل تدفق المساعدات لإظهار حسن النية وخلق أسس لتخفيف العقوبات المتعلقة بالمخاوف الإنسانية.

5. تعزيز الشفافية والمساءلة: تنفيذ آليات رقابة صارمة لمنع الفساد وإساءة استخدام الموارد في عملية إعادة الإعمار. وهذا من شأنه أن يساعد في بناء الثقة مع المجتمع الدولي ودعم قضية تخفيف العقوبات.

6. التعاون في مكافحة الإرهاب: إظهار قطيعة واضحة مع الارتباطات السابقة بالجماعات الإرهابية المحددة والتعاون بنشاط في جهود مكافحة الإرهاب. وهذا من شأنه أن يعالج المخاوف الأمنية التي كانت أساسًا لبعض العقوبات.

7. متابعة الإصلاحات الاقتصادية: تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي تبتعد عن اقتصاد النظام السابق الموجه من الدولة والمحسوبية، والتركيز بدلاً من ذلك على تنشيط الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم وإعادة بناء المنظمات العامة القادرة على دعم شبكات الإمداد المحلية.

8. السعي للحصول على الدعم الإقليمي: التواصل مع الحلفاء الإقليميين، مثل تركيا وقطر والمملكة السعودية، للدفاع عن تخفيف العقوبات وتقديم الدعم الاقتصادي المؤقت.

9. الالتزام بالعدالة والمصالحة: وضع خطة واضحة لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان السابقة وتعزيز المصالحة الوطنية، والتي يمكن أن تساعد في تبرير رفع العقوبات المتعلقة بهذه القضايا.

10. الاستفادة من المنظمات الدولية: العمل مع المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي للتوسط في رفع العقوبات وتقديم المساعدة الفنية للتعافي الاقتصادي.

ومن خلال اتخاذ هذه الخطوات، يمكن للحكومة السورية الجديدة أن تخلق قضية مقنعة لرفع العقوبات الاقتصادية تدريجياً، مما يمهد الطريق للتعافي الاقتصادي وإعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي.

الخاتمة

في ظل المرحلة الجديدة التي تشهدها سوريا، يعد تعديل سياسات العقوبات بحكمة أمرًا ضروريًا لدعم الانتعاش الاقتصادي مع الحفاظ على المساءلة والعدالة. ومن خلال نهج مدروس ومتدرج، يمكن لسوريا أن تستعيد مكانتها الاقتصادية وتندمج من جديد في النظام المالي العالمي، ما يمهد الطريق نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.